[center] اقرأ باسم ربك الذي خلق .
إن قصة آيتنا هي قصة كل آية , إذ هي قصة الوحي , تلك اللحظة الفارقة بحق في تاريخ البشرية , فالكون كله قبل هذه اللحظة شئ وبعدها شئٌ آخرٌ مختلف , ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم , فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح , ثم حبب إليه الخلاء , فكان يخلو بغار حراء يتحنث – يتعبد- فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله و يتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها , حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال ( اقرأ) فقال ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ فقلت ما أنا بقارئ , قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني , فقال : اقرأ فقلت ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ و ربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم ) الحديث بكماله ,وروى مثله الإمام أحمد بنفس المعنى ثم قال عن عائشة قالت [ ..حتى بلغ ما لم يعلم فرجع ( أي النبي صلى الله عليه وسلم ) بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع , فقال يا خديجة مالي ؟ وأخبرها الخبر وقال : إني خشيت على نفسي ؛ فقالت له : كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا , إنك لتصل الرحم ,وتصدق الحديث , وتحمل الكل وتقري الضعيف وتعين على نوائب الحق , ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي وهو ابن عم خديجة وكان امرءً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي وكتب من الإنجيل ما شاء الله له أن يكتب و كان شيخاً كبيراً قد عمى فقالت خديجة : أي ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال ورقة ابن أخي ما ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى , فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جزعاً ليتني أكون حياً حتى يخرجك قومك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مُخرجي هم ؟ فقال:ورقة نعم , لم يأت رجل قط بما جئت إلا عودي و إن يدركني يومك أنصرك نصراُ مؤزراً.
ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقاً فيسكن بذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك وهذا الحديث مخرج في الصحيحين كما سبق .
قال ابن كثير في تفسيره :-
فأول شئ نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علق وأن من كرمه تعالى أن علم الانسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البشرية آدم عليه السلام على الملائكة , والعلم تارةً يكون في الأذهان وتارة يكون
في اللسان وتارةً يكون بالكتابة بالبنان ذهني ولفظي والرسمي يستلزمها من غير عكس فلهذا قال( اقرأ و ربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ).
و في الأثر : قيدوا العلم بالكتابة , و فيه أيضاً من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم , كانت تلك هي البداية , ثم توالى نزول القرآن الكريم على قلب سيد المرسلين بلسانٍ عربيٍ مبين ليكون من المنذرين , [/center]