[center]القول : في أول ما نزل من القرآن ، وفيه أربعة أقوال : الأول : هذه السورة ; قالته عائشة ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وغيرهم .
الثاني : أنه نزل { يأيها المدثر } ; قاله جابر .
الثالث : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أول ما نزل من القرآن : { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } .
الرابع قال أبو ميسرة الهمداني : أول ما نزل فاتحة الكتاب .
والصحيح ما رواه الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها ; قالت : { كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه . والتحنث التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثل ذلك ، حتى فجئه الوحي ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق } إلى قوله : { علم الإنسان ما لم يعلم } . فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفؤاده يرجف ; حتى [ ص: 363 ] دخل على خديجة ، فقال : زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة : أي خديجة ، ما لي ؟ لقد خشيت على نفسي . فأخبرها الخبر ، فقالت خديجة : كلا ، أبشر . فوالله لا يخزيك الله أبدا ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، ويكتب الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : يا بن عم ، اسمع من ابن أخيك . قال ورقة : يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ، ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أومخرجي هم ، قال ورقة : نعم ، لم يأت أحد بما جئت به إلا أوذي ، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة ، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم }
. قال محمد بن شهاب : فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه : بينا أنا أمشي سمعت صوتا ، فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي قد جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، ففزعت منه ، فرجعت فقلت : زملوني ، دثروني ، فدثروه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر } } .
قال أبو سلمة : وهي الأوثان التي كانت الجاهلية تعبدها ، ثم تتابع الوحي